مع حلول كل صباح في قطاع غزة

أطفال على قارعات الطرق يسألون أرزاقهم

مختصون اجتماعيون يحذرون من الآثار السلبية لعمالة الأطفال علي السلوك والمجتمع

تحقيق: فداء عبد الجواد

مع حلول صباح كل يوم على قطاع غزة،لا يكاد يخلو شارع أو منطقة من وجود أطفال  يحملون أصناف شتي من أنواع البسكويت والأطعمة والشوكولاتة لبيعها  وتوفير لقمة العيش لهم ولعائلاتهم..حتى أنهم نسوا طفولتهم ولم يعيشونها في اللعب فمنهم الطفل الذي أصبح أكبر من سنه ومنهم الطفل الصغير المُلزم بأن يوفر القوت وكله بسبب تفشي البطالة المخيف..

رحلة البحث عن لقمة العيش

تقاسيم وجهه تدل علي معاناته من شدة البرد ومأساة تقشعر لها الأبدان لمسمعها،والتعب الذي يتجلي على أعضاء جسده، وملابسه الممزقة عليه وأطرافه المتسخة، كلها تعابير المعاناة التي يعيشها الطفل' محمد حسان' الذي ترك دراسته من أجل الحصول على الكسب المعيشي ، ويتنقل في الطرقات ليبيع ما لديه من علب للعلكة، وبعد أن يجد طالبات الجامعات ينتهين من الدراسة والبدء في الرجوع إلي المنزل  ينتقل إلي منطقة الجندي المجهول ليكمل بيعه حسب ما يقول،ويقول في كل يوم ابدأ بتجهيز علب العلكة في الصباح للذهاب لكسب مصروفي اليومي، ،فهناك حركة نشطة للمواطنين، وأبيعها بشيكل واحد، مؤكدا انه يشعر بالراحة لأنه يجد من يشتري منه،وعليه طلب كثير من قبل المواطنين القاطنين في تلك المنطقة....

ويتسابق عدد من الأطفال على مفترق الطرقات وعلى السيارات التي تقف أمام الإشارات الضوئية،في سبيل بيع كمية أكبر من البضائع البسيطة التي يحملونها "مثل بكيتات المحارم الصغيرة"،وتتزايد تلك الظاهرة في الإجازة حيث ينتشر عدد كبير من الأطفال في أي مكان لبيع الحلوى والذرة والمسليات للمصطافين على مفترقات الطرق وأماكن المتنزهات .

وهذا الطفل ' خليل '14 عاما، يعمل في جمع الخردة والحديد يقول "نفسي أعيش زى باقي أطفال العالم،ويخطر ببالي في لحظة من اللحظات أن أشتري كيس من الشبسي أو قطعة من الشيكولاته"،وعندما أخبر أبي بذلك يقول لي "بس أقدر أوفر لكم رغيف الخبز لك أنت وأخوتك حتى أحضر مثل هذا الكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع"،فلا أملك سوي البكاء ولكن دون فائدة.

البطالة تطال كافة  الشرائح

'أبو طارق' في الأربعين من العمر،يقف خلف وعاءه ويوقد الأخشاب تحت وعاء الذرة التي يبدأ بإعدادها بعد صلاة العصر مباشرة، ويقول "تفشي البطالة والاحتياج الملح إلى الدخل المادي هو السبب وراء وقوفي في الشارع لأكسب بضعة شواكل"، مشيرا إلى عدم اهتمام السلطات بالجوانب التربوية والاجتماعية وانشغالها بالمعارك السياسية، وتصاعد موجات العنف والاقتتال الداخلي،وعدم توفير فرص عمل ودورات بطالة للعمال الغزييين ساهمت في تدمير الكثير الكثير،ماذا سنفعل سنعيش بشتى الطرق والسبل المتاحة.

ويتابع وهو يقوم بالتقاط 'عرنوس' الذرة الساخن للزبون من الحلة بواسطة ملقط معدني طويل يشبه ملقط مدفأة الحطب، ويضعه في ورقة ويرش عليه الملح، ثم يقدمه للزبون،فمع بداية العطلة الصيفية،أقوم ببيع الذرة الموسمية،وفي الشتاء أبيع البطاطا الحلوة،وذلك في إطار المحاولة للخروج من الأزمة التى أعاني منها وعائلتي،سيما في ظل الحصار المطبق علي غزة،فقد كنت أعمل داخل إسرائيل،وأجني أموالا بكثرة،وبعد الإغلاق وفرض الحصار بتنا نشتهي الحصول على شيكل إسرائيلي في جيوبنا،فطوال العام لا نجد سوي الطريق على أبواب المؤسسات الخيرية لتساعدنا في مساعدات عينية اغاثية...

ابو طارق لا يقوم بإعداد الذرة وبيعها وحده،بل يشرك ابنه' طارق' عشرة أعوام،ليشاركه في ذات المهنة،ويقول أحاول مساعدة والدي،ونستطيع توفير لقمة العيش المرة المغموسة بالدم،واستثمر إجازتي الصيفية لاستطيع ادخار مبلغ مالي نستطيع  من خلاله شراء ملابس العام الدراسي الجديد لي ولبقية إخوتي  الثمانية،بدلا من قضاء الإجازة باللعب واللهو خاصة وأن هناك الوقت الكثير ولا مكان لنذهب إليه في العطلة.

تقارير مخيفة عن الفقر

وفي قطاع غزة يوجد مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون تحت خط الفقر في غزة والقطاع،ويشكل هؤلاء 82 % من عدد سكان غزة، ويعد ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي تجاوزت الثمانين بالمائة الدافع الأكبر لانخراط الأطفال في سوق العمل،كما أن تزايد الضغوط الاجتماعية والنفسية على الأطفال الذين يعيشون في حالة من الكبت كانت دافعا هاما لإجبارهم على التخلي عن مقاعد الدراسة والانخراط في سوق العمل علهم يتمكنوا من مساعدة أسرهم التي لا تجد قوت يومها .

ومن أسس القوانين الدولية منع تشغيل الأطفال دون سن الـ 18 مستندا ً بذلك على المادة رقم 32 المتعلقة بالاستغلال الاقتصادي للطفل. وكذلك الأمر في قانون العمل الفلسطيني من خلال المادة رقم 7 لعام 2000 والتي تنص على منع تواجد الأطفال أقل من عمر 15 سنة منعا باتا في المصانع وأماكن العمل.

وبلغ عدد الأطفال العاملين في الأراضي الفلسطينية، سواءً بأجر أو بدون أجر 40,139 طفلاً، أي ما نسبته 3.1% من إجمالي الأطفال 5-17 سنة، بواقع 3.8% في الضفة الغربية و1.9% في قطاع غزة.

مخاطر اجتماعية

ومن المخاطر الاجتماعية لجوء الأطفال للعمل  فى سن  مبكرة سواء كان من النواحي الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية لأنها تحدث تأثيرا سلبيا  علي السلوك بشكل عامل بحيث يميل الأطفال الذين يمارسون العمل إلي الانحراف السلوكي بالإضافة إلي انتشار الأمية واكتساب سلوك عدواني تجاه العائلة والمجتمع.

هذا وتحظر قوانين العمل الفلسطينية عمل الأطفال دون سن 15 عاما، إلا أن تفشّي البطالة والاحتياج الملح إلى الدخل المادي، دفع الأطفال إلى العمل بأشغال هامشية قد تشكل خطرا على سلوكهم في المستقبل، ووفق إحصاءات لجهات مختصة، فإن مئات الآلاف من الأسر في قطاع غزة تعاني انخفاضا حادا في الدخل.